الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
إذا اشترى غراسا, فغرسه في أرضه ثم أفلس ولم يزد الغراس, فله الرجوع فيه لأنه أدرك متاعه بعينه وإذا أخذه فعليه تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل بقلعه لأنه نقص حصل لتخليص ملكه من ملك غيره وإن بذل المفلس والغرماء له قيمته, ليملكوه بذلك لم يجبر على قبولها لأنه إذا اختار أخذ ماله وتفريغ ملكهم, وإزالة ضرره عنهم فلم يكن لهم منعه كالمشتري إذا غرس في الأرض المشفوعة وإن امتنع من القلع, فبذلوا له القيمة ليملكه المفلس أو أرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك وكذلك إذا أرادوا قلعه من غير ضمان النقص لأن المفلس إنما ابتاعه مقلوعا, فلم يجب عليه إبقاؤه في أرضه وقيل: ليس لهم قلعه من غير ضمان النقص لأنه غرس بحق فأشبه غرس المفلس في الأرض التي ابتاعها إذا رجع بائعها فيها والفرق بينهما ظاهر فإن إبقاء الغراس في هذه الصورة حق عليه فلم يجب عليه بفعله, وفي التي قبلها إبقاؤه حق له فوجب له بغراسه في ملكه فإن اختار بعضهم القلع وبعضهم التبقية قدم قول من طلب القلع, سواء كان المفلس أو الغرماء أو بعض الغرماء لأن الإبقاء ضرر غير واجب فلم يلزم الممتنع منه الإجابة إليه وإن زاد الغراس في الأرض, فهي زيادة متصلة تمنع الرجوع على قول الخرقي ولا تمنعه على رواية الميموني. وإن اشترى أرضا من رجل, وغراسا من آخر فغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد الشجر, فلكل واحد منهما الرجوع في عين ماله ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان نقصه بالقلع على ما ذكرنا, لأن البائع إنما باعه مقلوعا فلا يستحقه إلا كذلك وإن أراد بائعه قلعه من الأرض فقلعه, فعليه تسوية الحفر وضمان نقصها الحاصل به لما تقدم وإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها ليملكه لم يجبر على ذلك لأن الأرض أصل, فلا يجبر على بيعها تبعا وإن بذل صاحب الأرض قيمة الغراس ليملكه إذا امتنع من القلع فله ذلك لأن غرسه حصل في ملك غيره بحق فأشبه غرس المفلس في أرض البائع ويحتمل أن لا يملك ذلك لأنه لا يجبر على إبقائه إذا امتنع من دفع قيمته, أو أرش نقصه فلا يكون له أن يتملكه بالقيمة بخلاف التي قبلها والأولى أولى وهذا ينتقض بغرس الغاصب. الشرط الثالث, أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا فإن كان قد قبض بعض ثمنها سقط حق الرجوع وبهذا قال إسحاق والشافعي في القديم, وقال في الجديد: له أن يرجع في قدر ما بقي من الثمن لأنه سبب ترجع به العين كلها إلى العاقد فجاز أن يرجع به بعضها كالفرقة قبل الدخول في النكاح وقال مالك: هو مخير, إن شاء رد ما قبضه ورجع في جميع العين وإن شاء حاص الغرماء ولم يرجع ولنا ما روى أبو بكر بن عبد الرحمن, عن أبي هريرة: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئا, فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء) رواه أبو داود وابن ماجه, والدارقطني ولأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري وإضرارا به وليس ذلك للبائع فإن قيل: لا ضرر عليه في ذلك لأن ماله يباع, ولا يبقى له فيزول عنه الضرر قلنا: لا يندفع الضرر بالبيع فإن قيمته تنقص بالتشقيص ولا يرغب فيه مشقصا, فيتضرر المفلس والغرماء بنقص القيمة ولأنه سبب يفسخ به البيع فلم يجز تشقيصه كالرد بالعيب والخيار, وقياس البيع على البيع أولى من قياسه على النكاح ولا فرق بين كون المبيع عينا واحدة أو عينين لما ذكرنا من الحديث والمعنى فإن قيل: حديثكم يرويه أبو بكر بن عبد الرحمن, عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرسلا ولا حجة في المراسيل قلنا: قد رواه مالك وموسى بن عقبة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن, عن أبي هريرة كذلك ذكره ابن عبد البر وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني في " سننهم " متصلا, فلا يضر إرسال من أرسله فإن راوي المسند معه زيادة لا يعارضها ترك مرسل الحديث لها وعلى أن المرسل حجة, فلا يضر إرساله. الشرط الرابع أن لا يكون تعلق بها حق الغير فإن رهنها المشتري ثم أفلس أو وهبها, لم يملك البائع الرجوع كما لو باعها أو أعتقها ولأن في الرجوع إضرارا بالمرتهن, ولا يزال الضرر بالضرر ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) وهذا لم يجده عند المفلس ولا نعلم في هذا خلافا فإن كان دين المرتهن دون قيمة الرهن, بيع كله فقضى منه دين المرتهن والباقي يرد على سائر مال المفلس, ويشترك الغرماء فيه وإن بيع بعضه فباقيه بينهم يباع لهم أيضا, ولا يرجع به البائع قال القاضي: له الرجوع به وهو مذهب الشافعي لأنه عين ماله لم يتعلق به حق غيره ولنا أنه لم يجد متاعه بعينه, فلم يكن له أخذه كما لو كان الدين مستغرقا له وما ذكره القاضي لا يخرج على المذهب لأن تلف بعض المبيع يمنع الرجوع فكذلك ذهاب بعضها بالبيع ولو رهن بعض العبد لم يكن للبائع الرجوع في باقيه لما ذكرنا وإن كان المبيع عينين, فرهن إحداهما فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى؟ على وجهين بناء على الروايتين فيما إذا تلفت إحدى العينين وإن فك الرهن قبل فلس المشتري أو أبرئ من دينه, فللبائع الرجوع أنه أدرك متاعه بعينه عند المشتري وإن أفلس وهو رهن فأبرأ المرتهن المشتري من دينه أو قضى الدين من غيره, فللبائع الرجوع أيضا كذلك. وإن كان عبدا فأفلس المشتري بعد تعلق أرش الجناية برقبته ففيه وجهان أحدهما, ليس للبائع الرجوع لأن تعلق الرهن به يمنع الرجوع وأرش الجناية يقدم على حق المرتهن فأولى أن لا يرجع ذكره أبو الخطاب والثاني, لا يمنع الرجوع فيه لأنه حق لا يمنع تصرف المشتري فيه فلم يمنع الرجوع كالدين في ذمته وفارق الرهن فإنه يمنع تصرف المشتري فيه فإن قلنا: لا يرجع فحكمه حكم الرهن وإن قلنا: له الرجوع فهو مخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية, وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء وإن أبرأ الغريم من الجناية فللبائع الرجوع فيه لأنه وجد متاعه بعينه خاليا من تعلق حق غيره به. وإن أفلس بعد خروج المبيع من ملكه ببيع أو هبة, أو وقف أو عتق أو غير ذلك, لم يكن للبائع الرجوع لأنه لم يدرك متاعه بعينه عند المفلس سواء كان المشتري يمكنه استرجاعه بخيار له أو عيب في ثمنه, أو رجوعه في هبة ولده أو غير ذلك لما ذكرنا وخروج بعضه كخروج جميعه لما تقدم فإن أفلس بعد رجوع ذلك إلى ملكه ففيه ثلاثة أوجه: أحدها, له الرجوع للخبر ولأنه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره أشبه ما لو لم يبعه والثاني, لا يرجع لأن هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم يملك فسخه ذكر أصحابنا هذين الوجهين ولأصحاب الشافعي مثل ذلك والثالث أنه إن عاد إليه بسبب جديد, كبيع أو هبة أو إرث, أو وصية أو نحو ذلك لم يكن للبائع الرجوع لأنه لم يصر إليه من جهته وإن عاد إليه بفسخ كالإقالة, والرد بعيب أو خيار ونحو ذلك فللبائع الرجوع لأن هذا الملك استند إلى السبب الأول, فإن فسخ العقد الثاني لا يقتضي ثبوت الملك وإنما أزال السبب المزيل لملك البائع فثبت الملك بالسبب الأول, فملك استرجاع ما ثبت الملك فيه ببيعه. وإن كان المبيع شقصا مشفوعا ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: البائع أحق به هذا قول ابن حامد للخبر ولأنه إذا رجع فيه عاد الشقص إليه, فزال الضرر عن الشفيع لأنه عاد كما كان قبل البيع ولم تتجدد شركة غيره والثاني, أن الشفيع أحق ذكره أبو الخطاب لأن حقه أسبق فكان أولى بيانه أن حق البائع ثبت بالحجر وحق الشفيع ثبت بالبيع, ولأن حقه آكد لأنه يستحق انتزاع الشقص من المشتري وممن نقله إليه وحق البائع إنما يتعلق بالعين, ما دامت في يد المشتري ولا يزول الضرر عنه برده إلى البائع بدليل ما لو باعه المشتري لبائعه, أو وهبه إياه أو أقاله لم يسقط حق الشفيع, ولأن البائع إنما يستحق الرجوع في عين لم يتعلق بها حق الغير وهذه قد تعلق بها حق الشفيع الوجه الثالث أن الشفيع إن كان طالب بالشفعة, فهو أحق لأن حقه تأكد هنا بالمطالبة وإن كان لم يطالب بها فالبائع أولى ولأصحاب الشافعي وجهان, كالأولين ولهم وجه ثالث أن الثمن يؤخذ من الشفيع, فيختص به البائع جمعا بين الحقين فإن غرض الشفيع في عين الشقص المشفوع, وغرض البائع في ثمنه فيحصل ذلك بما ذكرنا وليس هذا جيدا لأن حق البائع إنما ثبت في العين فإذا صار الأمر إلى وجوب الثمن, تعلق بذمته فساوى الغرماء فيه. وإن كان المبيع صيدا فأفلس المشتري والبائع محرم, لم يرجع فيه لأنه تملك الصيد فلم يجز مع الإحرام كشراء الصيد وإن كان البائع حلالا في الحرم, والصيد في الحل فأفلس المشتري فللبائع الرجوع فيه لأن الحرم إنما يحرم الصيد الذي فيه, وهذا ليس من صيده فلا يحرم ولو أفلس المحرم, وفي ملكه صيد بائعه حلال فله أخذه لأن المانع غير موجود في حقه. وإذا أفلس, وفي يده عين مال دين بائعها مؤجل وقلنا: لا يحل الدين بالفلس فقال أحمد في رواية الحسن بن ثواب: يكون ماله موقوفا إلى أن يحل دينه, فيختار البائع الفسخ أو الترك وهذا قول بعض أصحاب الشافعي والمنصوص عن الشافعي أنه يباع في الديون الحالة ويتخرج لنا مثل ذلك لأنها حقوق حالة فقدمت على الدين المؤجل, كدين من لم يجد عين ماله وللأول الخبر ولأن حق هذا البائع تعلق بالعين فقدم على غيره, وإن كان مؤجلا كالمرتهن والمجني عليه.
|